«من يصعد إلى جبل الرب؟ ومن يقوم في موضع قدسه؟».(مز3:24)؟ والإجابة التي أعطاها كانت: «الطاهر اليدين، والتقي القلب، الذي لم يحمل نفسه إلى الباطل، ولا حلف كذباً».(مز4:24). فالطهارة الخارجية والنقاء الداخلي يشيران إلى حالة القداسة التي يجب توفرها في من هو مدعو للمثول في حضرة الله. وهي نفس الدعوة تقريباً التي قدمها الرب يسوع لمستمعيه. فهم كأبناء المواعيد والمواريث التوراتية يدركون شروط التواجد في حضرة الله، والتي أجملها الرب يسوع في شرط واحد يجمع في داخله كل مفاهيم الطهارة الداخلية والخارجية: نقاوة القلب.
وبالرغم من أن هذه الدعوة لم تكن غريبة عن آذان الشعب الدارس للتوراة والعامل بوصاياه، إلا أنها كانت تمثل تحدياً صارخاً لمتطلبات البر التي كان ينادي بها معلمو الناموس والفريسيون. فقد كانت تعاليم هذه الفئة تنصب على المظهر الخارجي للبر، والتي عبر عنها الرب في قوله: «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل مملوآن اختطافاً ودعارة!».(مت25:23). إنكم عندما تصبغون حياتكم بالرياء والتدين الخارجي الكاذب، فإنكم تظهرون في أعين الشعب أطهاراً. ولكن هيهات أن تعاينوا مجد الرب أو تروا وجهه.
لقد وقف الفريسي مغطى تماماً بأعمال البر الكاذبة، وأخذ يعدد فضائله أمام الله: «أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشر كل ما أقتنيه».(لو13:18)، لكنه خرج من أمام الرب مداناً وليس مبرراً. لذلك ركز الرب يسوع تعاليمه لتلاميذه على الداخل، وأعطاهم المفتاح الذي بواسطته يستطيعون أن يروا وجه الله، وهو نقاوة القلب.
إذن، فمن هم أنقياء القلب، ذوو العيون المفتوحة، الذين يستطيعون معاينة مجد الرب؟
۱- هم الذين هيأوا أنفسهم لتخضع لعملية تطهير داخلي. فكما أن معنى كلمة (كاثاروس) حسب المفهوم الكتابي تفيد: ”نظيف بعد الاغتسال، طاهر بالمفهوم الطقسي أو نقي من كافة الشوائب“، هكذا فإن نقاوة القلب ليست حالة سلبية في مقابل النجاسة؛ بل هي حالة إيجابية تحتاج إلى إرادة وعمل وتسليم كامل وخضوع للروح القدس. فتلميذ المسيح يحتاج أن يأتي إليه كل يوم معترفاً بنقائصه ليطهره الرب باستمرار: «فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع … لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان، مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير، ومغتسلة أجسادنا بماء نقي».(عب19:10و22). كما أن عليه أن يملأ قلبه كل يوم باشتياقات إلى الرب فلا يوجد في قلبه مكان لشيء غريب: «أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن، ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم … لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله».(أف16:3-19). ثم عليه أيضاً أن يظل ساهراً على حراسة قلبه حتى لا تجتذبه أية شهوات رديئة: «فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة».(أم23:4).
فكما أن الذهب النقي يمر بعدة مراحل حتى تُنقى منه جميع الشوائب ويصير ذهباً نقياً مصفى بالنار، هكذا تلميذ الرب عليه أن ينقي من داخله جميع الشوائب ليصير قلبه نقياً فيعاين مجد الرب.